قال الصحفي في قناة الجزيرة تيسير علوني في حواره مع موقع هافينغتون بوست في نسخته العربية عن ذكرياته مع قائد حركة طالبان الأفغانية الملا عمر الذي أعلنت السلطات الأفغانية الأربعاء أنه توفي قبل عامين في ظروف غامضة"شعرتُ في حضرته بأنني أمام حاكم حقيقي ورجل دولة رغم أن مظهره يتميز ببساطته الشديدة وربما كان أقل الحاضرين أناقة لكن حضوره طغى على الجلسة تماما".وفي حديثه عن الإجراءات الأمنية التي سبقت المقابلة أكد علوني أنها لم تكن إجراءات معقدة أو خارجة عن المألوف، مشيرا إلى أنه لم يخضع ولو لتفتيش بسيط لأنه رافق حينها مجموعة من رجال الدولة. ما الذي تتذكره من هذه المقابلة؟ وعلى أية خلفية كانت؟لقائي بالملا عمر تم في أبريل/نيسان 2001، وكنت قد رافقت في الشهر نفسه وفدا من حكومة طالبان في زيارة إلى الدوحة لتغطية نشاطات الوفد لصالح قناة الجزيرة، وعدت مع الوفد إلى قندهار، وكان مقررا أن يلتقي أعضاؤه بالملا عمر ليقدموا له تقريرا عن وقائع ونتائج الزيارة، فطلبت من أحد أعضاء الوفد أن يسعى في ترتيب لقاء لي مع الملا، فوعد خيرا.في تلك الفترة كان الملا عمر لا يلتقي بالصحفيين على الإطلاق بسبب انزعاجه من محاولاتهم لتصويره بطرق ملتوية، وذلك رغم أن مكتبه كان يشدد على الصحفيين ويأخذ منهم تعهدات بعدم محاولة تصويره، لكن بعض الصحفيين العرب حاول التحايل على التعهد الذي قدمه ورسم صورة تقريبية للملا عمر، وعندما علم الأخير بالأمر أصدر أمرا بعدم إعطاء أية مواعيد للصحفيين وأحجم تماما عن لقائهم.في هذا الظرف الصعب جاء طلبي للمقابلة، وقلت لهم طبعا إنني لست بصدد إجراء مقابلة صحفية معه، وإنما هو لقاء للتعرف إليه شخصيا طالما أنني صحفي مقيم في أفغانستان وأمثل قناة معروفة.لم تتأخر الإجابة، ودُعيت في عصر اليوم التالي لمرافقة الوفد إلى "مكتب أمير المؤمنين"، وكان مكتبا جديدا انتقل إليه بعد محاولة لاغتياله جرت قبل نحو عامين واستهداف منزله بشاحنة ملغمة بعدة أطنان من المتفجرات، أدت إلى مقتل اثنين من إخوته هما الملا عبد السلام والملا عبد الخالق، وبعض أقاربه ونجا منها الملا عمر بأعجوبة، وقد شاهدت بنفسي الحفرة التي خلفها الانفجار وكانت حفرة ضخمة، وكان منزله في تلك الفترة وسط قندهار في منطقة مزدحمة ومسموح المرور فيها للجميع، ولم يكن المنزل يتميز كثيرا عن بقية المنازل المحيطة سوى ما يتعلق بالحراسة العادية على الباب، فاقترح عليه مساعدوه أن يبني مجمعا جديدا غرب المدينة لكي يتخذه سكنا ومكتبا.توجهنا بقافلة صغيرة من السيارات الرسمية إلى المجمع، وتمت إجراءات الدخول بسهولة، وقادنا بعض المساعدين إلى قاعة واسعة نوعا ما، مستطيلة الشكل، مفروشة بالسجاد الأفغاني، وتوزعت على جوانبها فرش متواضعة.اتخذنا مجلسنا بانتظار قدوم الملا عمر، ولاحظت وجود وسادة واحدة في الزاوية اليمنى بصدر القاعة، ولم يكن في القاعة أي أثاث آخر من كراسي أو طاولات أو مزهريات، مما اعتدنا رؤيته في مكاتب المسؤولين خارج أفغانستان، كما أن جدرانها كانت عارية من أي لوحات أو وسائل زينة.بعد بضع دقائق أقبل الملا محمد عمر برفقة شابين مسلحين، ونهض الجميع واصطفوا للسلام عليه، وكان دوري الثالث أو الرابع في تحيته ومصافحته بعد بعض كبار السن من أعضاء الوفد، وتولى وزير الخارجية وكيل أحمد متوكل مهمة تقديمي إلى الملا.طويل القامة، أميل إلى النحافة، بلحية سوداء كثة تخللتها شعرات بيضاء وشارب محفوف، حنطي البشرة، وكان يرتدي ثوبا أفغانيا تقليديا يظهر عليه القدم بلون رمادي داكن، وأظنني لمحت رقعة أو إصلاحا في بعض جوانبه، ويلف رأسه بعمامة سوداء مما يلبسه طلبة العلم في أفغانستان. هيبة الرجل منعتني من إمعان النظر في هيئته وملامحه إلا حين جلس في الزاوية اليمنى من صدر القاعة، وكانت جلستي على يساره، وبذلك لم أكن أرى عينه اليمنى التي فقدها أثناء الجهاد ضد النظام الشيوعي.أتذكر أن الوفد كان يضم وزير الخارجية وكيل أحمد متوكل، ووزير التخطيط، ورئيس المحكمة العليا (وهو من أرفع المناصب في البلد)، ومسؤولين آخرين، بالإضافة إلى مولوي علي قندهاري، وهو رجل كبير في السن، ولا أتذكر بقية أعضاء الوفد الذي كان يتألف من قرابة ١٢ شخصا.استهل الملا عمر الحديث بالترحيب بالوفد، ثم تولى الكلام أكبر الأعضاء سنا، وتوالى البقية كل منهم يسرد ملخصا للقاءاته في الدوحة، وكان الملا يطلب بعض الإيضاحات ويستفسر عن بعض النقاط من حين لآخر وبعبارات مقتضبة، وحين انتهى اللقاء اختتم الملا عمر الجلسة بحديث قصير، وجرى الحديث بلغة البشتو، وتولى أحد الحاضرين الترجمة همسا في أذني، وأعاد الملا محمد عمر الترحيب بي بلطف، ثم نهض إيذانا بانتهاء اللقاء، وخرج يحفه بعض أعضاء الوفد، وانشغلوا بأحاديث جانبية، متوجهين إلى مدخل القاعة الذي يفضي إلى ساحة واسعة انتشر فيها بعض الحراس المسلحين وبعض الأطفال حليقي الرؤوس. ناداهم وزير الخارجية وكيل أحمد متوكل، وقدمهم لي قائلا إنهم أبناء الملا عمر، ولاحظت أن ثيابهم كانت متواضعة ومما يلبسه أبناء عامة الأفغان. ماذا كان انطباعك الشخصي عن الرجل؟أول ما لاحظته هو هيبة الرجل بين أتباعه، وذلك من خلال طريقتهم في الحديث والتعامل معه، فقد شعرت في حضرته بأنني أمام حاكم حقيقي ورجل دولة، رغم أن مظهره يتميز ببساطته الشديدة، وربما كان أقل الحاضرين أناقة، لكن حضوره طغى على الجلسة تماما. هل كانت الإجراءات الأمنية المتبعة لمقابلته سهلة أم معقدة؟ وهل ترى أنه يسهل اختراق الإجراءات الأمنية المحيطة به؟
يقول علوني إن الملا عمر لم يكن على علم مسبق بنوايا بن لادن في تنفيذ عمليات الحادي عشر من سبتمبر (الأوروبية) |
0 التعليقات:
إرسال تعليق