الحركة الحوثية.. أكذوبة المظلومية


تضع الحركات الأكثر تطرفاً لافتات تتوافق مع الحاضنة المجتمعية التي تمارس نشاطها في جغرافيتها, في اليمن, وضعت الحركة الحوثية "مانفيستو" عريض لتوسعها في المحافظات اليمنية, كان "المانفيستو", المظلومية وقضية صعدة وتهميش المذهب الزيدي , وهذه قضايا فيها شيء من الحق تحول مع الزمن إلى كابوس وظلم ضد كل من يخالف توجهات الحركة الحوثية سياسياً أو مذهبياً.منذ قدوم الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسّي إلى صعدة قبل اثني عشر قرناً, مروراً بدول الأئمة حتى نشوء الحركة الحوثية شهد اليمنيون تعايشاً مذهبياً راقياً طوال تلك الحقب, لكن الحركة الحوثية قلبت هذا التاريخ بقوة السلاح لتتوسع في المناطق التي لا يتواجد فيها مناصرون لها كتعز وعدن وإب وغيرها, لتفجّر مساجد المخالفين وبيوتهم, لتضعهم في الأقبية والمعتقلات, لتغلق كل المنابر المخالفة لها.قامت ثورة 11 فبراير2011 الشبابية السلمية وانضم لها الحوثيون وشكّلوا تكتلاً شبابياً كبيراً أسموه "شباب الصمود" وبدأت القصة من الساحة بأن اتخذوا ساحة مختلفة عن تلك التي جمعت الأطياف اليمنية تحت مظلّة خيامها "ساحة التغيير" أمام بوابة جامعة صنعاء, وكان ذلك حقاً مدنياً مكفولاً لكنه كان ينبئ عن ذهنية متخلفة ترفض الهتاف الجمعي مع بقية الأطياف اليمنية أو اليسارية, وبينما كانت الثورة تواجه نظام علي عبدالله صالح كانت الحركة تتوسع في محافظتي حجة والجوف, بتناقض صارخ بين الثورة السلمية والإيديولوجيا الملغّمة بشعارات الموت والاستشهاد.
قبل ذلك, وفي إطار الحديث عن المذهب الزيدي وتهميشه, لم يعرف اليمنيون مسجداً زيدياً أغلق أو مركزاً تعليمياً تمت مصادرته كما فعل الحوثيون مع خصومهم في السنة الماضية والحالية, كانت هناك طفرة في الاتجاه نحو الفكر القادم من السعودية "السلفية" وذلك عائد لإمكانات هائلة كانت تُضخّ في المحافظات اليمنية, وعلى أن الفعل هذا كان سلبياً في نتائجه لكنه اتخذ وسائل ناعمة, التدريس والدعوة, ومع انحسار المذهب الزيدي كممارسة ظلت الهضبة الزيدية الشمالية هي المسيطرة على الحكم والسيادة في اليمن حتى قيام ثورة الشباب السلمية في 2011 م, وانقلبت الموازين لصالح الوسط والجنوب بدرجة رئيسية.بعد قيام الثورة الأولى, 26 سبتمبر 1962 م, انتقل الحكم من آل حميد الدين (الحامل الأول للمذهب الزيدي) ليبقى في إطار "الزيدية السياسية" وصعد المشير عبدالله السلال "زيدي المذهب" وتعاقب بعده الإرياني والحمدي والغشمي وأخيراً لعلي عبدالله صالح , وكلّهم ينتمون للجغرافيا الزيدية, وهم زيديّو المذهب, ومن سقط فقط هو حكم الأسر الهاشمية التي كانت تحكم اليمن الشمالي لأكثر من عشرة قرون متتابعة.لذلك, ظل أبناء إقليم "آزال" وفقاً للتقسيم الإداري الجديد لليمن, هم المسيطرون على السلطة بما فيهم الهاشميون أنفسهم, وظلّت قبيلتا حاشد وبكيل ,المنتميتان لشمال الشمال, مسيطرتين على الحكم لفترة طويلة, ومع انحسار دائرة الحكم مؤخراً أصبح محصوراً في عائلات محدودة قريبة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح, لذلك, الحديث عن مظلومية وتهميش في الحكم ليس سوى ذرّ الرماد على عيون الحقيقة القائلة أن الوسط (تعز وإب) والجنوب, هي المناطق التي تم تهميشها مع أن هذه المناطق تمثل الكثافة السكانية الأكبر, لكنها ظلّت على الهامش, لكن هذا حديث متجاوز عنه بعد مسيرة الحوار الوطني والدستور الاتحادي والذي ضمن حقوقاً متساوية لجميع أبناء الشعب, وذلك بقيام دولة فيدرالية من ستة أقاليم مع وجود حكومة مركزية بصلاحيات سيادية محدودة.مخرجات الحوار الوطني الذي اتخذت منه الحركة الحوثية شعاراً برّاقاً إبّان محاصرتها للعاصمة صنعاء, كانت وثيقة جامعة وكان الحوثيون أول الموقعين على هذه العريضة التاريخية, مسودّة الدستور الاتحادي الذي كفلت في طيّاتها نظاماً عادلاً للجميع انقلب عليه الحوثيون وحليفهم صالح لأنهم يرون العدالة من ثقب الهيمنة التأريخية التي تخولهم حكم اليمن كاملاً, ناجزاً, بصلاحيات كاملة, أما النظام الفيدرالي فلن يحقق هذه المطامع, وإلا لكانوا أول المتشبثين به. أدخلوا البلد في نفق وسديم مظلم, وأصبح الخروج من هذا النفق صعباً ومكلّفاً للغاية, لأن الحرب اشتعلت في الجسد اليمني بسبب جنوح هذا التحالف (الحوثي- صالح) لنشر الموت وتفجير منازل المخالفين وتخوين كل من يقول لا, لكن علينا بعد أن تزول هذه الغُمّة أن نعرف جيداً ماذا نريد ولا نقع مجدداً في فِخاخ الإيديولوجيات القاتلة.

*سنحان سنان

شاركه على جوجل بلس

عن tareekhy

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق